بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

         في إحدى جلساتنا الصباحية لتناول فنجان "القهوة التركية" – التي تعودنا عليها منذ فترة إقامتنا بعاصمة الكنانة للدراسة، ثم للعمل بالسفارة المغربية – أورد زوجي الحبيب عباس الجراري في معرض حديثنا أبياتا للشاعر مفدي زكريا لها صلة بما كنا بصدده.

 

         وتشعب الحديث حتى أخرجنا ديوان "من وحي الأطلس" الذي كان قد كتب له تقديما في 9 فبراير 1976م. وقرأت التقديم مرة وثانية فما زادني إلا إغراء بتصفح الديوان والاستمتاع بما فيه من وطنيات ووجدانيات ودينيات. وفكرت حينها بصوت عال مع صاحب التقديم مقترحة العدول عن استبعاد نشر تقديمات كتبت لمؤلفات غير المغاربة، لأني أولا أحسست في الكتابة ولمست في سطورها دراسة جيدة وعميقة لقصائد هذا الشاعر الكبير، لم تترك جانبا إلا وتعرضت له سواء من حيث اللغة أو البلاغة أو التصوير أو عمق التأثير لما جاء عليه من صدق في العاطفة ودقة في التعبير، وغير ذلك مما أترك للقارئ الكريم اكتشافه بنفسه.

 

         وثانيا: لأنها تخص مرحلة من تاريخ أمتنا العربية، وتسجل حلقات منه طبعها التلاحم والتآزر ووحدة الأسلوب ونبل الهدف، مما عبر عنه شاعر المغرب العربي الكبير الداعي لوحدته والمشيد بكفاح رجالاته ووطنية أبنائه.

 

         من أجل هذا وذاك، ونظرا لتقدم تاريخ كتابة الديوان وتقديمه، عن جميع ما يضم هذا الجزء، فإني أستهل به – محتفظة بالنص كما كتب في وقته، وَفْق ما كانت تمليه الظروف يومئذ – مع العلم أنه يسبق كثيرا من تقديمات الجزء الأول. ولعلي بذلك أكون قد راعيت – في حدود الإمكان – الترتيب التاريخي الذي اعتمدته.

 

         وهو في نفس الوقت ما يبرر إيرادي لبعض التقديمات التي تأخر إصدارها لحد الآن لعلة أو أخرى حالت دون إتمام النشر.

 

         ومسبب آخر لعدم الاستبعاد وجدته باديا بجلاء في تقديم "الملك محمد السادس وتحديات العصر" للأستاذ يوسف محمد بن قطامي. وهو تسطير ترجمة وافية لملك شاب متحد للصعاب بحكمة واتزان، سيان منها ما يمس القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. وهي جرأة في التناول لتاريخ معاصر نادرا ما يتطرق لها المبدعون ؛ هذا فضلا عن تسجيله لفترة من تاريخ أمتنا العربية تتسم بمتين الروابط وعميق التواصل.

 

         ومثل هذا التناول المرتبط بالتأريخ لمراحل تطور الأمة، هو الذي كان الدافع وراء إصدار وزارة الشؤون الخارجية والتعاون في مملكتنا المغربية مع صندوق الأمم المتحدة للسكان لكتاب "المرأة في خطب وندوات صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني". فهو الذي أرسى قواعد التشييد والتوحيد وركز على كون المرأة لبنة أساسية في إقامة صرح هذا الوطن الحبيب، معترفا لها بما بذلت وما تزال للنهوض والحرية والتجديد، ومُكرِّسا لجهودها في سائر مناحي الحياة، وحاميا لها بتحيين القوانين لتحظى بالتكريم الذي أولاها إياه الدين الحنيف.

 

         ولأن من أبرز سمات التراث المغربي – كما يؤكد ذلك دائما عميد الأدب المغربي ويلح عليه – أنه يتميز بالتنوع والتعدد فينتج أنماطاً أدبية وأشكالا فنية رسمية وشعبية، وأن الدراسات الإقليمية له هي التي تشكل من مجموعها كنهه الكلي المتكامل. لهذا وذاك لا نستغرب ونحن نقرأ للجراري تقديما لـ "الشعر الملحون في أسفي" للدكتور منير البصكري، و "الصناعة التقليدية: نضال وثقافة واقتصاد اجتماعي" للأستاذ عبد الإله القباج. وفي هذا الأخير ورغم الالتزام بحدود ما يفرضه التقديم نجد تبيانا لأنواع الصناعة التقليدية وما تعتمده من مواد وأدوات وتجسده من مراحل حياتنا عامة ماضيها وحاضرها في كل صيغه وألوانه، دون تفريق بين ما نوظفه ونمارسه ونتذوقه ونطرب له ونباهي به ونفاخر من رصيد حضاري وثقافي توارثته الأجيال، وتناقلته في إبراز للتأثر والتأثير على مدى مختلف العصور.

 

         ولا يفوتني هنا أن أورد تقديمات لخمسة كتب تعرض أصحابها لهذا الجانب وتلمسوه بتفاوت يزيد أو ينقص من كاتب لآخر ؛ وهي تقديمات سبق للمؤلف أن نشرها في كتب سابقة له، كما أشرت في مقدمة الجزء الأول وأرى من الأفضل أن أشير إليها – تسهيلا للدارسين – وهي كما يلي:

 

1-   "حكايات من الفولكلور المغربي" –الجزء الأول- للأستاذ يسري شاكر من مصر. مطبوع بدار النشر المغربية. الدار البيضاء 1978م.

       وقد سبق للمؤلف أن نشرها في كتابه "مع المعاصرين" –الجزء الثاني- ابتداء من صفحة 271 (منشورات النادي الجراري رقم 24       –الرباط 1423هـ-2002م).

 

2-    "كناش الحايك". حققه الأستاذ مالك بنونة وأصدرته أكاديمية المملكة المغربية ضمن منشوراتها 1419هـ-1999م. وكان الدكتور عباس الجراري قد أشرف على هذا التحقيق وراجعه وقدم له.

      نشر التقديم في كتابه "النغم المطرب بين الأندلس والمغرب" ابتداء من       صفحة 59 (منشورات النادي الجراري رقم 22 – الرباط 1422هـ-       2002م).

 

3-    "قصيدة البردة للإمام البوصيري" – إعداد وتنسيق السيد عبد اللطيف بنمنصور – نشر وزارة الشؤون الثقافية – 1994م. وقد أثبت التقديم الدكتور عباس الجراري في كتابه "النغم المطرب ..." السالف الذكر ابتداء من صفحة 83.

 

4-    "بغيات وتواشي نوبات الموسيقى الأندلسية المغربية" جمعه بالنوطة الموسيقية السيد عز الدين بناني، ونشرته أكاديمية المملكة المغربية 1416هـ-1995م. والتقديم منشور كذلك في كتاب "النغم المطرب ..." ابتداء من صفحة 97.

 

5-    "أضواء على الموسيقى المغربية" لمؤلفه السيد صالح الشرقي (مطبعة فضالة – المحمدية 1977م).

 

         وقد أعاد نشره مترجما إلى الفرنسية والإنجليزية في كتابه "Musique Marocaine" مطبعة فضالة 1981م.

 

         ونجد تقديمه منشورا في الكتاب المشار إليه ابتداء من صفحة 105.

 

         ويستمر الأستاذ الجراري في اهتمامه بالأدب الشعبي الذي تحمل الكثير من الصعاب لتجليته وتعرض للعديد من المضايقات لإلحاحه على تدريسه والإشراف على إنجاز بحوثه، فيقدم لـ"الأحاجي الشعبية المغربية" للدكتور أحمد زيادي، بعد أن كنا قد جمعنا كثيرا من نصوصها مع بعض المقارنات بمثيلاتها في أقطار أخرى. وعسى أن يتسنى لنا نشرها، إسهاما في مجال أغناه كثيرا الباحث زيادي.

 

         ويحضرني المؤلف الهام "الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه" لصاحب هذه الكلمات التقديمية (عباس الجراري)، وأنا أقرأ تقديم:

 

1-    "قضايا مغربية" للدكتور عبد الحق المريني الذي لم تثنه مهامه عن الخوض في القضايا التي تشغل المغاربة وإبداء رأيه فيها.

 

2-    "الكتابة الإصلاحية بالمغرب خلال القرن التاسع عشر: قضاياها وخصائصها الفنية" للدكتور محمد احميدة الذي نفض الغبار عن نصوص غميسة ساهم أصحابها في بسط وحل بعض القضايا، مثل تنظيم الجيش ومعالجة مشكل الديون والحمايات الأجنبية.

3-    "بناء القصيدة المغربية في فجر الدولة العلوية 1045-1139هـ" وفيها ركز الدكتور عبد الجواد السقاط على قضية محدودة هي بناء القصيدة صوتيا ومعجميا ودلاليا، مع الاهتمام بالنصوص في دقة وتمحيص لا يتسنيان إلا لباحث جاد مثل الأستاذ السقاط.

 

4-    "اللغة العربية وتطورها التاريخي" وفي هذا البحث الموجز تطرق الأستاذ حسين وجاج لموضوع كبير يتعلق باللغة العربية في أصلها وأجاد فيما عرض له وإن سكت عن قضايا مهمة تتصل به وفي مقدمتها الأمازيغية. ولعل طلبه كتابة التقديم من زميله في أكاديمية المملكة المغربية الأستاذ عباس الجراري راجع إلى معرفته باهتمامه المبكر بالأمازيغية وإنتاجها كرافد من روافد التراث المغربي.

 

5-    "الترسل الأدبي بالمغرب: النص والخطاب" للدكتورة آمنة دهري. وفيه بينت الباحثة اتجاهات الترسل في المرحلة التي درستها والتي لخصتها في ثلاثة اتجاهات، أولها اتجاه أندلسي وثانيها صحراوي وثالث دلائي.

                   وقد عرضت ذلك بأسلوب سليم ورقيق ولغة متأنقة.

 

6-    أما "التراث الموسيقي الغرناطي" للأستاذ عز الدين بناني.

 

7-     و "بيبليوغرافيا مقدمات الأدب المغربي المدرسي والشعبي 1929-2003".

 

8-    وكذا "الأناشيد الوطنية المغربية ودورها في حركة التحرير".

                   فقد أشرت لها في تقديمي للجزء الأول.

 

9-    "رموز الشعر الأمازيغي وتأثرها بالإسلام" للدكتور عمر أمرير التي إن دلت على شيء فإنما تدل على انصهار الأمازيغ مع إخوانهم العرب وتشبثهم بالدين الإسلامي ورموزه.

 

10-     "بناء القصيدة الصوفية في الشعر المغربي" للدكتور محمد بن الصغير، وفيه بسط لنا ظاهرة التصوف وما تعلق بها من قضايا وما اجتازته من مسيرة تطورية عبر مراحلها المتداخلة.

 

11-     "الثقافة المغربية: علامات بعد علامات في حوارات" للدكتور عبد الرحمن بن زيدان. وهو تقديم مركز لأحد أساليب الكتابة وأنواعها، وهو المتمثل في الحوار مع بيان لدواعيه وعرض نتائجه.

 

12-    وفي هذا الاتجاه يسجل تقديمه لـ "مطارحات نقدية" التي أثارها الأستاذ أمين جمال.

 

13-     "الأدب الأندلسي: القضايا والظواهر" للدكتور قاسم الحسيني المتخصص في هذا الأدب والمعروف بدقته في تتبع مختلف جوانبه.

 

14-     "كراسات أندلسية" وهي تضم مجموعة من المحاضرات القيمة ألقيت في مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات.

 

         وتأكيدا من عميد الأدب المغربي على تنوع مصادر التراث المغربي، نجده يشجع الباحثين والدارسين والمحققين في كل مجال. وتقديمه لكتاب "سُلوة الأنفاس: الذاكرة والحضور" خير شاهد على تشجيعه لإثبات التراجم والتعريف بالأعلام.

 

         ولست أفشي سرا وأنا أسجل بهذه المناسبة حرصه وتتبعه لجمع صور الشخصيات المغربية وتسجيل تاريخ الوفاة عليها، آملا أن تجمع في سفر مصور (ألبوم)، وأن تكون حافزا للدارسين للكتابة عنها مستقبلا.

 

         واهتماما منه بالشعر سواء المدرسي منه أو الشعبي، نجده بعد كتبه "القصيدة" و "موشحات" و "تطور الشعر" يوالي تقديمه للدواوين، فنقرأ "إشراقات روح" للشاعر مولاي الحسن الحسيني، و "شهدة ملحونية" للزجال جمال الدين بنحدو، و "تبريح اللبان" وفيه تعرض لشاعرية فاطمة مستعد وما تتوافر عليه من مؤهلات دراسية وتجارب غنية في ميادين التراث الشعبي وما يكشفه ديوانها من مزايا تعبيرية بارزة، وما يعلوه من نفس صوفي.

 

         وبهذا النفس أبدع الأستاذ عبد اللطيف بنمنصور مجموعة من القصائد والموشحات ضمَّنها ديوانه: "نفحات العرف والذوق في مدح طه سيد الخلق".

 

         وأقف في النهاية عند تقديمات كتب أربعة، قاسمُها المشترك وحدة القلم الذي حبّرها، فهي كلها من تأليف العلامة المرحوم عبد الله الجراري، وهي:

 

1-   عشرة أيام في مراكش

2-    الرحلة الربيعة إلى عاصمة فاس العلمية

حققهما الدكتور عبد المجيد بن الجيلالي.

 

3-    الرحلة السطاتية أو السكيرجية بتحقيق الدكتور مصطفى الجوهري.

4-    حياة بطل التحرير محمد الخامس – إعداد وتقديم الأستاذ مصطفى الجوهري.

 

         ثم هي أيضا تتناول "الرحلة" وهي فن من بين أهم الفنون والأجناس الكتابية التي عني بها الأدب العربي في مختلف عهوده ومراحله.

 

         وهي ثالثا شاهد على تبريز المغاربة في هذا النمط من التعبير وتنويعهم فيه، بين رحلات حجازية ورحلات داخلية ورحلات زيارة أو سفارة.

 

         وهي رابعا وبالضبط في "حياة بطل التحرير محمد الخامس" رحلة عمر من الكفاح والتضحية والبناء والتشييد لشعب تمثل في رمز بطولته وقائده، فسجل مواقفه وأفكاره ومبادئه ونظرياته ودفاعه المستميت من أجل كل ذلك مسترخصا الغالي والنفيس، مما يتيح للقارئ لذة ومتعة وهو يتابع الأحداث على مر السنين واختلاف مناطق المغرب وحواضره التي كانت مسرحا لتلك الوقائع والقضايا.

 

         وإن هذه الرحلات الجرارية لترسم صورة متضحة المعالم لشخصية صاحبها المولع بالأسفار والدقيق في الملاحظة والأمين في تسجيلها والعامل على توثيقها بكل دقة وصدق نابعين من روح وطنية وحب للبلد وأهله وخدمة لمصالحه بتفان يصل حد الانصهار فيه، مُورِّثا ذلك كله لابنه البكر عباس الذي ما توانى في إبراز كل هذه الجوانب المكوِّنة لـ "عبد الله الجراري" علامة وأديبا ومؤرخا ووطنيا. الشيء الذي حدا به لإخراج النصوص التي لم يتمكن والده من نشرها، وفاء له وتقديرا لجهده وحرصا على إجلاء نتاجه وسعيا لنيل رضاه وتخليد ذكره، عملا بالحديث الشريف "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وقد حققها الجراري الصغير – أطال الله عمره ومتعه بالصحة العافية – للجراري الكبير – رحمة الله عليه.

 

         وفي الختام لا يسعني إلا أن أطلب العلي القدير أن ينفعنا بعلمهم جميعا إنه سميع مجيب.

 

الرباط في 2 محرم 1428هـ                                             حميدة الصائغ الجراري

الموافق 22 يناير 2007م